languageFrançais

'ثلاثون' يعيد الحياة لإرث فاضل الجزيري في مهرجان قرطاج

في أمسية استثنائية، خيّم الحنين على ركح المسرح الروماني بقرطاج ليلة أمس، حين اختارت إدارة مهرجان قرطاج الدولي في الدورة التّاسعة و الخمسين إحياء ذكرى المخرج المسرحي والسينمائي الراحل فاضل الجزيري عبر عرض فيلمه التاريخي "ثلاثون"، في لمسة وفاء جمعت العائلة والأصدقاء والجمهور .

حضر الابن علي الجزيري، أحد أبطال الفيلم، إلى جانب الممثل غانم الزرلي وابنته، فضلًا عن أحباب وأوفياء لمسيرة فنان رحل جسدًا وبقي إرثه حاضرًا في الذاكرة.

فيلم يستعيد الذاكرة الوطنية

"ثلاثون"، الذي استغرق ست سنوات من التحضير وأُنتج سنة 2008 ثم عُرض سنة 2010، هو تجربة توثيقية بصرية استثنائية تغوص في فترة 1924 – 1935، حيث يقدّم عبر دراما تاريخية متشابكة سيرة  الطاهر الحداد، ومحمد علي الحامي، وأبي القاسم الشابي .

شخصيات وُلدت من رحم النضال السياسي والفكري والثقافي، لتُجسّد معركة جيل كامل ضد الاستعمار والفكر السلفي، دفاعًا عن الحرية والعدالة الاجتماعية.

الفيلم، بتكلفته التي تجاوزت مليوني دينار تونسي، شارك فيه أكثر من 200 ممثل أساسي و500 كومبارس، ليجسّد حلمًا سينمائيًا نادرًا في تاريخ الإنتاج المحلي.

بُنيت مشاهده على تقنية تصوير عالية الجودة ، ورافقتها موسيقى مستلهمة من التراث صاغها الجزيري في قالب حداثي، مما منح العمل بعدًا ملحميًا يزاوج بين التوثيق والخيال.

إرث فني متجذر في ركح قرطاج

اختيار "ثلاثون" ليمثّل تكريم الفاضل الجزيري لم يكن عفويًا؛ فهذا المسرح العريق كان شاهدًا على أبرز إبداعاته. فمن "الحضرة" التي رسخت حضور الموسيقى الصوفية في الوجدان الجماعي، إلى "المحفل" الذي افتتح الدورة السابعة والخمسين لمهرجان قرطاج وهو آخر الأعمال على مسرح قرطاج للفقيد الذي صاغ  بعروضه  علاقة الجمهور بالطقوس والذاكرة.

الرحيل والذاكرة الحية

برحيله يوم 11 أوت 2025 عن عمر ناهز 77 عامًا، فقدت الساحة الثقافية التونسية والعربية رائدًا في المسرح المعاصر، مخرجًا ومؤرخًا بصريًا ترك بصماته في المسرح، السينما، والموسيقى. نعته وزارة الشؤون الثقافية باعتباره "أيقونة الإبداع" و"عميد المسرح التونسي"، فيما عبّر الجمهور عن خسارة شخصية أثرت في وجدان أجيال.

جاء عرض الفيلم في مهرجان قرطاج تعويضًا عن برمجة سابقة كانت مخصصة للفنان الجامايكي كي-ماني مارلي، لكنه تحوّل إلى لحظة وطنية جامعة. لمسة الوفاء لم تكن مجرد إعادة عرض لشريط سينمائي، بل احتفال بذاكرة رجل أعاد صياغة ملامح الهوية الثقافية التونسية.


ليندا بالحاج